العلاج المتمركز حول الشخص

تعريف

إن الملاحظ لساحة العلاجات النفسية لابد و أن يلاحظ التطور الصارخ في العلاجات النفسية في الخمسين سنة الماضية، فقد تطورت العلاجات الإنسانية في الولايات المتحدة والعالم بشكل خاص خلال الخمسينيات.  اقترح كارل روجرز أنه يمكن تطوير علاج أبسط وأكثر انسانية وأكثر تفاؤلاً من العلاج الذي يقوم به علماء النفس السلوكي أو الديناميكي النفسي.

تختلف وجهة نظره بشكل حاد عن الديناميكية النفسية و النهج السلوكي في أنه يقول أن العملاء أو المرضى سيتم مساعدتهم بشكل أفضل إذا تم تشجيعهم على التركيز على الفهم الشخصي لوضعهم الراهن بدلا من التركيز على بعض الدافع اللاواعي أو التركيز على تفسير شخص آخر لهم.

يعتقد روجرز أنه من أجل تحسين المعالجين لحالة المريض ، يجب أن يكون العلاج دافئا من حيث العلاقة بين المعالج والمريض وحقيقيا ومتفهما. وبالتالي كانت هذه النقاط التي ذكرها روجرز هي نقطة البداية للنهج الروجري في الاستشارة والعلاج النفسي:

" يتمتع الفرد داخل نفسه بموارد هائلة لفهم الذات ، ولتغيير مفهومه الذاتي ، والمواقف والسلوك الموجه ذاتيًا - ويمكن استغلال هذه الموارد لصالح المريض إذا توفر مناخ من المواقف النفسية التيسيرية والتي يمكن للمعالج توفيرها ".

رفض كارل روجرز الطبيعة الحتمية لكل من التحليل النفسي و السلوكية وأكد أن الإنسان يتصرف بسلوكيات معينة بسبب الطريقة التي ينظر بها لوضعه. "بما أنه لا يمكن لأي شخص آخر أن يعرف كيف يتصور وينظر الشخص لنفسه، يمكن القول بأننا أفضل الخبراء في أنفسنا."

كان روجرز يؤمن إيمانًا قويًا بأن النظرية يجب أن تأتي من الممارسة وليس العكس ، فقد طور نظريته بناءً على عمله مع الأشخاص المضطربين عاطفياً وادعى أن للإنسان قدرة رائعة على الشفاء الذاتي والنمو الشخصي مما يؤدي إلى تحقيق الذات . وركز على الإدراك الحالي للشخص وكيف يعيش في الحاضر.

لاحظ روجرز أن الناس يميلون إلى وصف تجاربهم الحالية من خلال الإشارة إلى أنفسهم بطريقة ما ، على سبيل المثال ، "أنا لا أفهم ما يحدث" أو "أشعر الان بالاختلاف عما كنت أشعر به سابقا".

محور نظرية روجرز (1959) هو مفهوم الذات  . يتم تعريف المفهوم هذا على أنه "مجموعة منظمة ومتسقة من التصورات والمعتقدات حول الذات". وهو يتألف من جميع الأفكار والقيم التي تميز "أنا" و "الذات" ويتضمن تصور وتقييم "ما أنا عليه" و "ما يمكنني فعله". 

وبالتالي ، فإن مفهوم الذات هو عنصر أساسي في تجربتنا الكلية ويؤثر على كل من إدراكنا للعالم وإدراكنا للذات. على سبيل المثال ، المرأة التي ترى نفسها قوية قد تتصرف بثقة وتأتي في النهاية لترى أفعالها على أنها أفعال يقوم بها شخص واثق.

لا يتناسب مفهوم الذات بالضرورة مع الواقع دائمًا ، وقد تختلف الطريقة التي نرى بها أنفسنا اختلافًا كبيرًا عن الطريقة التي يرانا بها الآخرون. 

على سبيل المثال ، قد يكون الشخص ممتعًا جدًا للآخرين ومع ذلك يعتبر نفسه مملًا. فهو يحكم ويقيم هذه الصورة التي لديه عن نفسه باعتباره مملًا وسوف ينعكس هذا التقدير على منظوره لذاته. فقد تتمتع المرأة الواثقة بتقدير كبير للذات وقد يكون للرجل الذي يرى نفسه مملًا تدني احترام الذات ، بافتراض أن القوة أو الثقة تحظى بتقدير كبير وأن الشخص الممل ليس كذلك.

النهج المتمركز حول الشخص

ملاحظة : يُطلق على العلاج الذي يركز على الشخص أيضًا العلاج المتمحور حول العميل.

يدخل الشخص العلاج المتمحور حول الشخص في حالة من التناقض . إن دور المعالجين هو عكس هذا الوضع من التناقض. وصف روجرز (1959) نهجه العلاجي بالعلاج المرتكز على العميل أو المريض أو الذي يركز على الفرد بسبب التركيز على نظرة الشخص الذاتية للعالم.

أحد الاختلافات الرئيسية بين المستشارين الإنسانيين في علم النفس الإنساني "وهو العلاج المتمركز حول العميل" والمعالجين الآخرين هو أنهم يشيرون إلى أولئك الذين يخضعون للعلاج على أنهم "عملاء" وليسوا "مرضى". وهذا لأنهم يرون المعالج والعميل كشريكين متساويين وليس كخبير يعالج المريض. 

على عكس العلاجات الأخرى ، يكون العميل هو المسؤول عن تحسين حياته أو حياتها ، وليس المعالج. وهذا تغيير لا يوجد لدى كل من التحليل النفسي والعلاجات السلوكية حيث يتم تشخيص المريض وعلاجه من قبل الطبيب. 

بدلاً من ذلك ، يقرر العميل بوعي وعقلانية ما هو الخطأ وما يجب فعله حيال ذلك. والمعالج هو أقرب إلى صديق أو مستشار يستمع ويشجع على نفس المستوى.

كان أحد أسباب رفض روجرز (1951) لتفسير الحالات بالماضي أو التجارب السابقة هو أنه يعتقد أنه على الرغم من ظهور الأعراض من التجارب السابقة ، إلا أنه من المفيد للعميل التركيز على الحاضر والمستقبل أكثر من التركيز على الماضي. وبدلاً من مجرد تحرير العملاء من ماضيهم ، كما يهدف المعالجون النفسيون، يأمل الروجيريون الى مساعدة عملائهم على تحقيق النمو الشخصي وتحقيق الذات في نهاية المطاف .

هناك غياب شبه كامل للتقنيات الموحدة في العلاج النفسي الروجري بسبب الطابع الفريد لكل علاقة استشارية. لأن جودة العلاقة بين العميل والمعالج أمر في غاية الأهمية.

العلاقة العلاجية ... هي المتغير المهم ، وليس ما يقوله المعالج أو يفعله.

وإذا كان لابد من وجود أي تقنيات ، فهم يكتفون بالإستماع ويقبلون ويفهمون ويشاركون ، فهم أكثر توجهاً نحو المواقف أكثر من المهارات.  حيث يُنظر إلى الاشتغال باستخدام التقنيات [من وجهة نظر روجيري] على أنه نزع الطابع الشخصي عن العلاقة. ويركز النهج الروجري على الأشخاص في تشكيل فهم مناسب لعالمهم وأنفسهم.

اعتبر روجرز كل فرد "فردًا يتمتع بالكفاءة" ويمكنه الاستفادة بشكل كبير من شكل علاجه. والغرض من علاج روجر الإنساني هو زيادة شعور الشخص بقيمة الذات ، وتقليل مستوى التناقض بين الذات المثالية والفعلية ، ومساعدة الشخص على أن يصبح شخصًا واثقا يعمل بكامل طاقته.

المبادئ الأساسية

يعمل العلاج الذي يركز على العميل وفقًا لثلاثة مبادئ أساسية تعكس موقف المعالج تجاه العميل:

1. المعالج متوافق مع العميل.
2. يعطي المعالج للعميل احترامًا إيجابيًا غير مشروط .
3. يُظهر المعالج فهماً وتعاطفاً مع العميل.
   
   

التطابق في الاستشارة

التطابق يسمى أيضا الصدق.  وفقًا لروجرز التطابق هو أهم سمة في الاستشارة. وهذا يعني أنه على عكس المعالج النفسي الديناميكي الذي يحتفظ عمومًا بـ "شاشة فارغة" ويكشف القليل عن شخصيته في العلاج ، فإن المعالج الروجري حريص على السماح للعميل بمعرفة شخصيته كما هي بالفعل.

المعالج ليس له واجهة (مثل التحليل النفسي) ، أي أن خبرات المعالج الداخلية والخارجية واحدة في نفس الوقت. باختصار ، المعالج حقيقي.

الإحترام الإيجابية غير المشروطة

الشرط الأساسي الثاني عند في المنهج الروجري هو الاحترام الإيجابي غير المشروط . حيث يعتقد كارل روجرز أنه لكي ينمو الناس ويحققوا إمكاناتهم من المهم أن يتم تقديرهم واحترامهم كما هم أنفسهم. 

يشير هذا الشرط إلى رعاية المعالج العميقة والحقيقية للعميل. وقد لا يوافق المعالج على بعض تصرفات العميل ، لكن يجب أن يوافق على العميل كشخص. باختصار ، يحتاج المعالج إلى موقف "سأقبلك كما أنت". 

وبالتالي ، فإن المستشار الذي يركز على الشخص حريص على الحفاظ دائمًا على موقف إيجابي تجاه العميل ، حتى عندما يشعر بالاشمئزاز من تصرفاته.

التعاطف

التعاطف هو القدرة على فهم ما يشعر به العميل. يشير هذا الشرط إلى قدرة المعالج على الفهم بحساسية ودقة [ولكن ليس بتعاطف] تجربة العميل ومشاعره في الوقت الحاضر. 

فمتابعة ما يشعر به العميل بدقة وإبلاغه بأن المعالج يفهم ما يشعر به جزء مهم من مهمة المستشار أو المعالج المتمحور حول الشخص .

على حد تعبير روجرز (1959) ، فإن الفهم التعاطفي الدقيق كما يلي:

"حالة التعاطف ، هي إدراك الإطار المرجعي الداخلي للآخر بدقة مع المكونات والمعاني العاطفية التي تتعلق به كما لو كان الشخص هو أنت ، ولكن مع التركيز على مفهوم " كما لو ". وبالتالي ، فهذا يعني الشعور بالألم أو السرور والفرح الذي يشعر به الآعميل بنفس الطريقة تماما ، وإدراك أسباب الألم أو الفرح كما يراها هو .

الاستنتاج

نظرًا لأن المستشار أو المعالج الذي يركز على الشخص يركز كثيرًا على الأصالة وعلى أن يوجه العميل فقط ، طما أنه لا يضع نفس التركيز على حدود الوقت والتقنية كما يفعل المعالج النفسي الديناميكي.  فالمستشار أو المعالج الذي يركز على الشخص يختلف بشكل كبير في تقنيات عمله عن تقنيات الاستشارة التقليدية.

كما يشير ميرنز وثورن (1988) ، الى أنه لا يمكننا فهم الاستشارة التي تتمحور حول الشخص من خلال تقنياتها وحدها. حيث يتمتع المستشار المتمحور حول الشخص بنظرة إيجابية للغاية ومتفائلة للطبيعة البشرية.

إن الفلسفة القائلة بأن الناس خيرون بشكل أساسي وطبيعي ، وأن الفرد يعرف في النهاية ما هو مناسب له ، هي المكون الأساسي للعلاج الناجح الذي يركز على الشخص باعتباره نموذج قائم على المحبة والعلاقات السليمة.

عشر نصائح للمستشارين المتمركزين حول العميل

وضع حدود واضحة

على سبيل المثال ، أين والى متى تريد أن تستمر الجلسة. وقد ترغب أيضًا في استبعاد بعض موضوعات المحادثة.

العميل أعلم

العميل هو الخبير في الصعوبات التي يواجهها. من الأفضل أن تدع العميل يشرح ما هو الخطأ. لا تقع في فخ إخباره بمشكلاته أو كيف يجب عليه حلها.

لعب دور مردد أصوات

تتمثل إحدى الأساليب المفيدة في الاستماع بعناية إلى ما يقوله العميل ثم محاولة الشرح له / لها ما تعتقد أنه يخبرك به بكلماتك الخاصة. سيساعدك هذا في توضيح وجهة نظر العميل ، وسيمكن العميل أيضا بشرح مشاعره بشكل أفضل والبدء في البحث عن طريقة بناءة للمضي قدمًا.

لا تكن قاضيا

قد يشعر بعض العملاء أن وجود مشاكلهم الشخصية تعني أنهم لا يرقون إلى المستوى "المثالي". وقد يحتاجون إلى الشعور بالاطمئنان بقبولهم على النحو الذي هم عليه وأنهم لن يواجهوا الرفض أو الإقصاء.

لا تتخذ القرارات نيابة عنهم

تذكر أن النصيحة هدية خطيرة. أيضًا ، لن يرغب بعض العملاء في تحمل مسؤولية اتخاذ قراراتهم بأنفسهم. وقد يحتاجون إلى تذكيرهم بأنه لا يمكن ولا ينبغي السماح لأي شخص آخر بالاختيار مكانهم.  اقتصر فقط على مساعدتهم في استكشاف عواقب الخيارات المتاحة لهم.

ركز على ما يقولونه

في بعض الأحيان لن يكون المشكل واضحًا في البداية. غالبًا لن يخبرك العميل بما يزعجه حقًا حتى يشعر بالثقة فيك. استمع بعناية - قد لا تكون المشكلة التي تواجهك في البداية هي المشكلة الحقيقية على الإطلاق.

كن صادقا

إذا قدمت نفسك ببساطة في دورك الرسمي ، فمن غير المرجح أن يرغب العميل في الكشف عن التفاصيل الشخصية عن نفسه. وقد يعني هذا أن تكشف أنت أيضا عن أشياء في نفسك - ليس بالضرورة حقائق ، ولكن يمكن أن تكشف عن المشاعر أيضًا. و يجب عليك أن لا تخاف من القيام بذلك - ضع في اعتبارك أنك لست ملزمًا بالكشف عن أي شيء لا تريده.

تقبل المشاعر السلبية

قد يكون لدى بعض العملاء مشاعر سلبية تجاه أنفسهم أو عائلاتهم أو حتى عنك. حاول أن تتعامل مع عدوانيتهم ​​دون الإساءة ، لكن لا تتسامح مع الإساءة الشخصية.

طريقة كلامك أكثر أهمية مما تقوله

من الممكن أن تنقل الكثير من خلال نبرة صوتك. غالبًا ما يكون من المفيد إبطاء وتيرة المحادثة. ويمكن أن تكون فترات التوقف القصيرة حيث يكون لدى العميل (وأنت) وقتًا للتفكير في اتجاه الجلسة مفيدًا أيضًا.

قد لا أكون أفضل شخص للمساعدة

معرفة نفسك والقيود الخاصة بك يمكن أن تكون بنفس أهمية فهم وجهة نظر العميل. لا يوجد مستشار متمركز حول الشخص ينجح طوال الوقت. قد تكون قادرا على المساعدة في بعض الأحيان دون أن تدرك ذلك. تذكر أن الغرض من جلسة المشورة ليس جعلك تشعر بالرضا عن نفسك.

وضعية التعلم

فاطمة معلمة ناجحة ويحبها زملاؤها. ومع ذلك ، لطالما حلمت بأن تصبح راقصة في قاعة الرقص. تقضي الكثير من وقت فراغها مع شريكها وهي تتدرب على مصاعد متقنة ويمكن غالبًا رؤيتها وهي تدور وترقص حول الفصل الدراسي خلال أوقات الاستراحة. تفكر فاطمة في ترك التدريس وتصبح راقصة محترفة.

وصف زملاؤها خططها بأنها "سخيفة" وأبلغ والديها الذين يفتخرون بها جدًا أنهم لن يتحدثوا معها مرة أخرى إذا تركت التدريس لتصبح راقصة. بدأت فاطمة تشعر بالحزن والبؤس.

بالإشارة إلى سمات علم النفس الإنساني ، اشرح كيف يمكن أن يؤثر وضع فاطمة على نموها الشخصي.