مرحلة الرشد: الخصائص والمراحل

مرحلة الرشد هي مرحلة عمرية وعقلية وجسمية يبلغها الإنسان بعد مرحلة المراهقة. وتتسم بالنضج المعرفي والعقلي والجسمي . تعرفعلى مراحل وخصائص مرحلة الرشد.

مرحلة الرشد: الخصائص والمراحل
مرحلة الرشد: النمو والخصائص والمراحل

مرحلة الرشد

يتسم النمو التكويني والوظيفي في هذه المرحلة بالنضج وقلة السرعة وتكون على ثلاث مراحل هي :-

  • مرحلة الرشد المبكرة  : وتقع بين ( 21 – نهاية 39 سنة من العمر )
  • مرحلة الرشد الوسطى : وتقع بين ( 40 – نهاية 59 سنة من العمر)
  • مرحلة الرشد المتأخرة : وتبدأ من (60 – نهاية 65  سنة من العمر) 

ونظراً لاهمية مرحلة الرشد المبكر سيتم الافاضة بها عن بقية المراحل الاخرى.

الرشد المبكر

هو تلك الفترة التي تمتد من سن الرشد القانوني "21 عامًا" -أو قبلها أو بعدها، حسب التبكير أو التأخير في ظهور علامات الرشد - وحتى سن الأربعين، الذي يصفه القرآن الكريم بأنه سن بلوغ الأشد، وفي هذا الطور تحدث أكبر عمليات التوافق في حياة الإنسان، وهذا ما يجعل له خصائص مميزة عن الفترات والأطوار التي تسبقه، وتلك التي ستتلوه. وتلخص "Hurlock 1980" هذه الخصائص فيما يلي:

الرشد المبكر هو طور الإنجاب

فعند معظم الراشدين الصغار تمثِّلُ الوالدية أحد الأدوار الأكثر أهمية في حياتهم، ويصدق هذا على المرأة أكثر من الرجل، على الرغم من أن الرجل في عصرنا يقوم بدور في رعاية الأطفال أكثر إيجابية مما كان يفعل في الماضي، وحين يتم الزواج خلال السنوات المتأخرة من المراهقة وقبل سن الرشد القانوني "فالقانون يسمح بذلك، وهذا أعظم متناقضاته" تكون الوالدية الدور الشاغل للراشدين الصغار خلال العشرينات والثلاثينات من العمر، بل إن بعض هؤلاء قد يصيرون أجدادًا قبل نهاية الرشد المبكر، أما الراشدون الذين لا يتزوجون إلّا بعد إكمال تعليمهم، أو بعد حلِّ مشكلات الحياة التي تزداد تعقيدًا وصعوبةً "كمشكلة البحث عن عمل أو سكن"، فإنهم يقضون معظم هذا الطور يلعبون دور الوالدية، بل إن بعض هؤلاء يستمرون في لعب نفس الدور في طور بلوغ الأشد أو الرشد المتوسط "وسط العمر"، وهو الطور التالي في دورة حياة الإنسان.

الرشد المكبر هو طور الاستقرار

فمع قيام الراشد الصغير بدور العائل، أي: كاسب الرزق للابناء، يجبره هذا الدور -إلى جانب دور الوالدية- على ن يتَّبِعَ نمطًا ثابتًا من السلوك في مجالات الحياة، قد يميزه ما بقي من عمره، وأي محاولة لتغيير هذا النمط في مرحلة وسط العمر أو الرشد المتأخر تكون صعبة، بل قد تؤدي للاضطراب الانفعالي عند الفرد، وفي الظروف العادية فإن معظم الراشدين لا يحتاجون لمثل هذا التغيير.

إنهم حينئذٍ حالما يصلون إلى النضج فالرشد يتزوجون وينجبون وينخرطون في عملٍ يظلون يؤدونه معظم حياتهم، بل يستقرون في حيٍّ يعيشون فيه معيشة شبه دائمة.

وهذه الحلول المبكرة لمشكلات حياة الراشدين قد تكون ملائمة أو غير ملائمة للمستقبل، وإذا كانت القرارات معتمدة على دوافع قوية وميول صحيحة وقدرات ملائمة، فإنها قد تكون قرارات رشيدة، أما إذا اتُّخِذَتْ بسرعة لإرضاء رغبات والدية عاجلة، أو رغبات خاصة، فقد يأتي عليهم وقتٌ يندمون فيه كثيرًا على ما فعلوا، ولات حين مندم.

الرشد المبكر هو طور الحل المستقل للمشكلات

ففيه يواجه المرء مشكلات عديدة جديدة، تختلف في جوهرها عن تلك التي كان يواجهها في المراحل السابقة من حياته، وهو مطالب بمواجهة هذه المشكلات دون إشرافٍ أو توجيهٍ أو معاونةٍ من الآباء أو المعلمين، كما كان يحدث من قبل، وبالطبع لو فُرِضَ على البعض التعامل مع مشكلات الرشد في مرحلة المراهقة أو الشباب بسبب الزواج أو العمل المبكرين، فإنهم قد يتوقعون مساعدة الوالدين؛ لأن هذه المشكلات عادةً ما تكون أقوى من قدراتهم على حلها بمفردهم، إلّا أن الشخص بعد وصوله إلى سن الرشد يتوقع له الوالدان والكبار عامةً أن يواجه المشكلات وحده، بل إن كبرياءه قد يمنعه من اللجوء إليهم طلبًا للمعونة، وتصبح المشكلة أشد تعقيدًا بالنسبة للراشد الصغير الذي يقضي مراهقته كلها، ومعظم شبابه، وجزءًا من مرحلة الرشد "حتى سن الخامسة والعشرين مثلًا" في التعليم، فذلك يجعله في حالة اعتماد "شبه دائم" على الوالدين، الذي يتمثّل في أبسط صورة في الاعتماد المالي والاقتصادي.

الرشد المبكر هو طور القرارات الهامة

ففيه يحاول المرء تحسس معالم الأرض الجديدة التي يجد نفسه فيها، وأيّ قرارٍ يتخذه له خطره على مسار حياته طوال السنوات الباقية من عمره، أو على مَنْ يرغب أن يشاركه حياته، ولهذا فقد يجد نفسه في موقف اللاقرار indicison، يحاول فيه اختبار الحلول المختلفة للمشكلة الواحدة حتى يصل إلى أفضل الحلول، وهذا في حَدِّ ذاته مصدر للتوتر، بل وللصراع، ولهذا نجد الفرد في هذا الطور مواجهًا بمشكلات توافق أكثر بكثيرٍ مما واجهه من قبل، بل أكثر مما يواجهه في العادة المراهقون المبكرون، إلّا أنه عند منتصف الثلاثينات يكون قد حلَّ معظم المشكلات على نحوٍ كافٍ بحيث يتناقص التوتر الانفعالي، ويحل محله الاستقرار الانفعالي مع نهاية هذه المرحلة عند حوالي سن الأربعين "Havighurst 1953".

ومن التغيرات التي تطرأ على الجوانب المختلفة في السلوك الإنساني في هذا الطور من الحياة.

النمو الجسمي

خلال طور الرشد المبكر وخاصةً من أوائل العشرينات وحتى أوائل الثلاثينات، يكون الفرد قد وصل إلى قمة نموه البيولوجي والفسيولوجي، وبالطبع لا تصل جميع أجهزة الجسم إلى قمة النموِّ في وقتٍ واحدٍ، بل لا تصل كلها إلى قمة النموِّ خلال هذا الطور من الحياة؛ فكل جهاز من أجهزة الجسم له نمطه الخاص ومعدله المميز في النموِّ، ومن الطريف أن نذكر أن طور الرشد المبكِّرِ يتسم بالنضج والتدهور البيولوجيين معًا، ومع ذلك فإننا حين نفحص الجسم ككلٍّ، يبدو لنا أن هذا الطور هو طور النشاط البيولوجي الأمثل.

فخلال الرشد المبكِّرِ يكون معظم الناس قد بلغوا أقصى طول القامة، وتصل المرأة إلى هذا الحد في سن 17 أو 18سنة، بينما تطول الفترة بعض الشيء عند الرجل لتصل إلى سن 21 سنة تقريبًا، أما الحد الأقصى للوزن فعلى العكس من ذلك لا يصل إليه الإنسان إلّا في الطور التالي "وسط العمر"، والوصول إلى قمة القوة الجسمية يتلو عادةً وصول الفرد إلى الطول الأقصى، ولهذا فإن الفرد لا يصل إليها إلّا في منتصف العشرينات أو في أواخرها، أما القدرة على النشاط البدني، والتي لا تَتَطَلَّبُ القوة فحسب، وإنما تَتَطَلَّبُ أيضًا السرعة والتآزر والجَلَدَ "الاحتمال"، فإنها تصل إلى حدها الأقصى خلال هذ الطور من العمر، ولهذا يقع معظم الأبطال الرياضيين عادةً في هذه المجموعة العمرية، وبخاصةٍ حتى مطلع الثلاثينات، بعدها نجد أن القوة والنشاط الجسميين يتناقصان تدريجيًّا، ليصل معدل النقص فيهما حوالي10% خلال الفترة من 30-60 سنة.

وكذلك فإن عددًا من الوظائف الحسية والعصبية تصل إلى مستوياتها القصوى خلال الرشد المبكر، فالحدة البصرية والسمعية يبلغان أقصى قوتهما في سن العشرين تقريبًا، وتظل الحدة البصرية ثابتة نسبيًّا في مرحلة وسط العمر، بينما تظهر حدة السمع تناقصًا تدريجيًّا خلال نفس الفترة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الوزن الكليِّ للمخ، والأنماط الناضجة للموجات الكهربائية للمخ، يَتِمُّ اكتمالهما خلال الرشد المبكر.

والراشدون المبكرون هم أكثر الأفراد صحةً في المجتمع، وأسباب الوفاة لديهم ترجع إلى الحوادث أكثر منها إلى الأمراض ومع ذلك فإن بعض المشكلات الصحية التي قد تظهر في المراحل التالية من حياة الإنسان تبدأ بوادرها في هذا الطور العمريّ، ولذلك يطلق عليها الباحثون "الأمراض الصامتة"، وتشمل الحمَّى الروماتيزمية، وتصلُّب الشرايين، وتضخم أعضاء الجهاز التنفسي، وسرطان الرئة، وتليُّف الكبد، وأمراض الكُلَى، والتهاب المفاصل، كما أن الراشدين المبكرين يكونون أيضًا عرضةً للاضطرابات التي ترتبط بالإجهاد النفسيّ، ومن ذلك: التوتر الزائد، وإدمان الخمور والمخدرات، والاكتئاب، وقرح المعدة والسمنة، ولعل هذه الحقائق تؤكد أهمية برامج الطب الوقائي التي يجب أن تُقَدَّمَ لهؤلاء، والتي قد تمنع استفحال هذه المخاطر فيما بعد، إلّا أن الأهم من ذلك أن تكون لدى الراشدين المبكرين المنعة الناتجة عن عقيدةٍ دينيةٍ قويةٍ، والرغبة في اتباع النصائح العلمية، وهذا هو العامل الحاسم، فنحن نعلم أنه على الرغم من الانتشار الهائل في وقتنا الحاضر للمعارف العلمية التي تؤكد مخاطر التدخين، فإن الملايين لا يزالون يتشبثون بهذه العادة المدمرة لصحة الإنسان، ثم إن هناك أدلة قوية على أن للدين دوره الحاسم في التغلب على مشكلة إدمان المخدرات والمسكرات.

ووصول الراشد المبكر إلى الحَدِّ الأمثل للنشاط البيولوجي له آثاره الهامة في توافقه الشخصيّ والاجتماعيّ والمهنيّ، وبالطبع فإنه في المهن التي تتطلَّبُ القدرات الجسمية والحسية، تُعَدُّ فترة الرشد المبكر "ربيع" الحياة المهنية لها، وخاصةً خلال الفترة من 20-35 سنة، التي تكون عندها هذه القدرات في أَوُجَّهَا، ثم تتناقص تدريجيًّا بعد بلوغ الفرد سن الأربعين "بداية الرشد الأوسط"، صحيح أن بعض الأفراد لا يظهرون تناقصًا في هذه القدرات مع التقدُّمِ في السن.

وبالنسبة للمرأة، فإن قدرتها على الإنجاب تصل أيضًا إلى قوتها خلال طور الرشد المبكر، ويمكن القول أن أفضل سن الحمل الأول من الوجهة البيولوجية هو العشرينات من العمر؛ حيث تصل الأعضاء والأجهزة الفسيولوجية عند الحمل إلى أفضل نموٍّ وتآزرٍ لها خلال هذا الطور من النموِّ دون سواه؛ فالمرأة خلال الرشد المبكر لا قبله ولا بعده "أي ليس أثناء المراهقة، ولا خلال الرشد الأوسط" تكون أكثر قدرةً على إنتاج البويضات المخصبة، كما أن دورتها الهورمونية المرتبطة بالتناسل تكون أكثر انتظامًا، وتكون بيئة الرحم والحوض أكثر ملاءمة لحمل الجنين، وأكثر يسرًا في ولادته، وعلى الرغم من أن بعض النساء يحملن بدون مشكلاتٍ خلال المراهقة المتأخرة، أو مع بداية الأربعينات من العمر، إلّا أن معدَّلَ الخصوبة في هذه الحالات ليس بنفس جودة طور الرشد المبكر، كما أن الولادة تكون أكثر صعوبة، بالإضافة إلى احتمال إصابة الجنين ببعض النقائص التي تناولناها فيما سبق عند عرض خصائص مرحلة الجنين.

وهكذا فإن طور الرشد المبكر هو طور اكتمال النموِّ الجسميّ، باستثناء الحالات القليلة التي تتعرض للإصابة بالأمراض أو النموِّ غير السوي، ولا يلاحظ الراشد الصغير أيَّ علاماتٍ تدل على التدهور أو على التقدم في السن إلّا بعد الأربعين، وهي علاماتٌ تجعله حينئذٍ أكثر اهتمامًا بصحته وجسمه، إنه عندئذ يبدأ في المقارنة بين أدائه في طور الرشد الأوسط، وأدائه في طور الرشد المبكر، فيدرك مدى ما كان عليه من صحة وقوة ونشاط وفعالية وإنجاز، وبعبارة أخرى: فإن الخصائص الجسمية القصوى للرشد المبكِّر لا يدركها المرء في أوانها، وإنما يقدرها حين يعود بذكرياته إلى الوراء، بعدما يصل إلى الرشد الأوسط أو الشيخوخة، وحينئذٍ يقدر النعم التي كان قد أنعم الله عليه بها، والتي ربما لم يحافظ عليها حقَّ المحافظة، وقد يندم على ما فَرَّطَ في حق نفسه

النمو العقلي المعرفي

كما هو الحال في النموِّ الجسميِّ، فإن بعض القدرات العقلية المعرفية تصل إلى قمتها خلال الرشد المبكر، وتؤكد البحوث أن المهام التي تتطلَّب السرعة في زمن الاستجابة أو زمن الرجع وذاكرة المدى القصير، والقدرة على إدراك العلاقات المعقدة، تُؤَدَّى بطريقة عالية الكفاءة خلال المراهقة وبداية العشرينات من العمر، كما أن بعض القدرات الابتكارية وخاصةً تلك التي تتطلَّبُ إنتاج أفكار، أو نواتج فريدة "الأصالة" أو متنوعة "المرونة"، تصل إلى أعلى مستوياتها خلال الرشد المبكر أيضًا، إلّا أن معظم القدرات الأخرى تستمر في النموِّ بعد هذا الطور؛ فالقدرات العقلية المرتبطة بالنشاط اللغوي والسلوك الاجتماعي مثلًا تظل في حالة نموٍّ مستمرٍّ خلال الخمسينات من العمر، وربما بعد ذلك، وهذه هي المهارات والقدرات التي تتحسن بالتعلم والخبرة. لقدرات العقلية للراشدين، وكما سنرى عند تناول مرحلتي وسط العمر والشيخوخة، فإن الأداء الجيد للراشدين المبكِّرين على اختبارات الذكاء، في مقابل الأداء الأقل جودة عندهم في مرحلتي وسط العمر والشيخوخة على نفس الاختبارات، قد يرجع في جوهره إلى "اصطناعٍ" ينتج عن طبيعة مناهج البحث المستخدمة، بالإضافة إلى المشكلات المتضمنة في بعض النماذج النظرية حول النموِّ العقلي.

ولعل أكثر هذه المشكلات حدَّةً ما يتصل بنموذج بياجيه في النموِّ العقلي، فمن المعروف أن هذا النموذج ينتهي بالمرحلة التي تُسَمَّى مرحلة العمليات الشكلية أو الصورية "والتي تتسم باستخدام طرق الاستدلال الفرضي الاستنباطي، والتفكير المجرد على نحوٍ عامٍّ، وفي مختلف المجالات كما بينا آنفًا"، كما أن بحوث بياجيه وتلاميذه ظلَّت تؤكد لسنوات طويلة أن هذه المرحلة يتم الوصول إليها بين سن 12، 15 سنة، أي طور المراهقة، وبالفعل فإن كثيرين من المراهقين يصلون إليها في هذ السن.

إلّا أن بياجيه في بعض كتاباته المتأخرة "Peaget 1972" اقترح أن مرحلة العمليات الصورية قد لا تصل إلى النموِّ أو تصبح واضحة المعالم إلّا في الفترة بين طور السعي"الشباب" والرشد المبكر "أي 15-20سنة".