نظرية التعلق : النظريات والمراحل والإنتقادات

نظرية التعلق هي نظرية في علم النفس تشرح كيف يرتبط الطفل الرضيع بأحد مربيه سواء الأم أو الأب أو غيرهم ويعرف أيضا بالإرتباط بين الأم والرضيع .تعرف على تعريف ومراحل ونظريات وانتقادات نظرية التعلق.

نظرية التعلق : النظريات والمراحل والإنتقادات
نظرية التعلق : النظريات والمراحل والإنتقادات

تعريف

نشأت نظرية التعلق في علم النفس في الثلاثينيات من القرن الماضي مع الأعمال جون بولبي (1958).  ، حيث عمل جون بولبي طبيبًا نفسيًا في عيادة توجيه الطفل في لندن ، حيث عالج العديد من الأطفال المضطربين عاطفياً. 

دفعت هذه التجربة بولبي إلى التفكير في أهمية علاقة الطفل بوالدته من حيث نموه الاجتماعي والعاطفي والمعرفي. خاصة معتقداته حول العلاقة بين انفصال الرضيع المبكر عن الأم وسوء التكيف "اضطرابات التكيف" الذي يتنج عنه ، وقاد هذا الإعتقاد بولبي إلى صياغة نظرية التعلق الخاصة به.

عرّف بولبي التعلق بأنه "ارتباط نفسي دائم بين البشر". (1969 ، ص .194).

اقترح بولبي (1958) أنه يمكن فهم هذا الارتباط ضمن سياق تطوري حيث يوفر المربين "الوالدين" السلامة والأمن للرضيع. فالتعلق قابل للتكيف لأنه يعزز فرصة بقاء الرضيع على قيد الحياة.

ويتضح هذا في أعمال لورنز (1935) و هارلو (1958) . ووفقًا لبولبي ، فإن الأطفال لديهم حاجة عامة للبحث عن الإقتراب من مقدم الرعاية "سواء الوالدين أو المربي" عندما يكونون تحت الضغط أو التهديد (بريور وجلاسر ، 2006).

الأفكار الأساسية

  • يمكن تعريف التعلق بأنه رابطة عاطفية عميقة ودائمة بين شخصين يسعى كل منهما إلى التقرب من الاخر ، حيث يشعر بمزيد من الأمان عندما يكون في وجود الشخص الذي يتعلق به.
  • يتضمن سلوك التعلق لدى البالغين تجاه الطفل الاستجابة بحساسية وبشكل مناسب لاحتياجات الطفل. وهذا السلوك هو سلوك عالمي موجود في كل الثقافات.
  • تشرح نظرية التعلق كيف تتجلى العلاقة بين الوالدين والطفل وكيف تؤثر على التطور والنمو اللاحق للطفل.
  • غالبًا ما تتشكل التعلقات عند الوالدين الذين يستجايبون بدقة وبشكل تام وفوري لإشارات الطفل ، وليس عند الاشخاص الذي يقضون وقتًا أطول مع أطفالهم. أطلق شافر وإيمرسون على هذه الاستجابة مفهوم "حساس".
  • يتسم التعلق بسلوكيات معينة لدى الأطفال ، مثل السعي إلى الاقتراب من شخصية التعلق عند الانزعاج أو الشعور بالتهديد (بولبي ، 1969).

مراحل التعلق

قام رودولف شافر و بيجي إيمرسون (1964) بالتحقيق في ما إذا كان التعلق يتطور من خلال سلسلة من المراحل أم هو ثابت ، ومن خلال دراسة 60 طفلًا على فترات شهرية للأشهر الثمانية عشر الأولى من العمر (تعرف هذه الدراسة بالدراسة الطولية).

في هذه الدراسة ، تمت دراسة جميع الأطفال في منازلهم ، وتم تحديد نمط منتظم في تطور التعلق.

تمت زيارة الأطفال شهريًا لمدة عام تقريبًا ، ولوحظ تفاعلهم مع القائمين على رعايتهم ، وتمت مقابلة مقدمي الرعاية لمعرفة المزيد.

احتفظت الأم بمذكرات للتمكن من فحص الأدلة على تطور التعلق. حيث تم تسجيل ثلاثة تدابير:

  • قلق الغرباء: استجابة الطفل عند وصول شخص غريب.
  • قلق الانفصال: مستوى الضيق النفسي عند الانفصال عن مقدم الرعاية "الأم" ، ودرجة الراحة عند عودة مقدم الرعاية "الأم".
  • المراجع الاجتماعية: الدرجة التي ينظر بها الطفل إلى مقدم الرعاية للتحقق من كيفية استجابته لشيء جديد (قاعدة آمنة).

واكتشفوا أن تعلق الطفل يتطور في التسلسل التالي:

غير اجتماعي (0-6 أسابيع)

الأطفال الصغار جدًا هم أطفال غير اجتماعيين مع العديد من أنواع المحفزات الاجتماعية وغير الاجتماعية ، مما ينتج عنه رد فعل إيجابي عند الإلتقاء بالشخص المتعلق به ، مثل الابتسامة.

التعلقات العشوائية (من 6 أسابيع إلى 7 أشهر)

يستمتع الأطفال الرضع بشكل عشوائي برفقة البشر ، ويستجيب معظم الأطفال بشكل متساوٍ لأي مقدم رعاية. وينزعجون عندما يتوقف الفرد عن التفاعل معهم.

في عمر 3 أشهر ، يبتسم الأطفال أكثر مع الوجوه المألوفة لديهم ويمكن أن يشعروا بالراحة بسهولة من قبل مقدم الرعاية المنتظم.

التعلق المحدد (7-9 أشهر)

تفضيل خاص لشخص "تعلق" واحد. حيث يتطلع الطفل إلى أشخاص معينين من أجل الأمان والراحة والحماية. ويظهر الخوف من الغرباء ويشعر بالتعاسة عند الانفصال عن الشخص المميز عنده (قلق الانفصال). 

يُظهر بعض الأطفال خوفًا غريبًا وقلقًا من الانفصال بشكل متكرر ومكثف أكثر من غيرهم ، ومع ذلك ، يُنظر إلى هذا الخوف والقلق على أنه دليل على أن الطفل قد شكل تعلقا وارتباطًا بالشخص "الأم أوالأب أو المربي". وعادة ما يتطور هذا التعلق بانتهاء العام الأول من العمر.

التعلقات المتعددة (10 أشهر وما بعدها)

كان لدى العديد من الأطفال في دراسة شافر و ايمرسون العديد من التعلقات في عمر 10 أشهر ، أبرزها التعلق بالأمهات والآباء والأجداد والأشقاء والجيران.

وبحلول الشهر 18  يصبح الطفل مستقلاً بشكل متزايد ويشكل العديد من التعلقات.  حيث يكون لدى غالبية الأطفال روابط متعددة.

تختلف التعلقات المتعددة التي يشكلها معظم الأطفال في قوتها وأهميتها بالنسبة لهم. وغالبًا ما يتم تنظيم التعلقات في تسلسل هرمي ، حيث يشكل الرضيع ثلاثة تعلقات ولكن قد يكون أحدها أقوى من التعلقات الآخرى ، وقد يكون التعلق الآخر زمنيا هو الأضعف.

أشارت نتائج الدراسة إلى أنه من المرجح أن تتشكل التعلقات لدى الطفل مع الذين يستجيبون بدقة لإشارات الطفل وحاجياته ، وليس مع الأشخاص الذي يقضون معهم وقتًا أطول. أطلق شافر وإيمرسون على هذه الاستجابة "الحساسية" .

كان للرضع ذوي التعلق الشديد أمهات تستجيب بسرعة لمتطباتهم وحاجياتهم ويتفاعلن  مع أطفالهن. والرضع الذين كانوا ضعيفي التعلق كانت لديهم أمهات فاشلات في التفاعل.

تكوين التعلق

كما قلنا سابقا تتشكل التعلقات لدى الأطفال مع الذين يتفاعلون معهم أكثر من الذين يقضون معهم وقت طويل.، والأمهات الفاشلات في التفاعل مع الأطفال تفقد تعلق أطفالهن بهن .

الحقيقة الأكثر أهمية في تكوين التعلق هي أنه لا ينشأ باضرورة مع من يغذي الطفل ويغير له ملابسه بل مع من يلعب معه ويتواصل معه. لذلك ، يبدو أن الاستجابة الحساسة لإشارات الطفل هي مفتاح التعلق والارتباط.

التقييم والإنتقادات

غالبا ما يعتمد في دراسة التعلق على دراسة شفر و ايمرسون الا أنها دراسة لها صلاحية سكانية منخفضة. حيث ينتمي جميع الأطفال الذين شملتهم الدراسة الى غلاسكو وكانوا في الغالب من أسر الطبقة العاملة. بالإضافة إلى ذلك ، فإن حجم العينة كان صغيرا حيث كانت مكونة من 60 عائلة فقط وهذا يقلل من قوة الاستنتاج الذي يمكننا استخلاصه من الدراسة.

ويمكن التشكيك في دقة جمع المعلومات الواردة من قبل الآباء الذين كانوا يحتفظون بمذكرات يوميةقد لا تكون دقيقة لأنهم كانو عمالا ولا يقضون الكثير من الوقت مع أطفالهم . فمثل هذه اليوميات لا يمكن الاعتماد عليها نظرا للخصائص الإجتماعية للعائلات. كما لا ترغب الأمهات عادة في الإبلاغ عن التجارب السلبية في كتاباتهن اليومية.

كما تفتقر الدراسة إلى المصداقية التاريخية. حيث تم إجراؤها في الستينيات من القرن الماضي حيث كانت أدوار الجنسين مختلفة عن الآن ، حيث كان الكثير من الرجال يبقون في المنزل لرعاية أطفالهم والكثير من النساء يخرجن إلى العمل. وبالتالي غالبا ما ستكون هذه العينة متحيزة "الإنحياز".

نظريات التعلق

اقترح علماء النفس نظريتين رئيسيتين في تفسيرالتعلقات.

نظرية التعلم

تقترح نظرية التعلم عن التعلق أن كل السلوكات يتم تعلمها ولا يوجد سلوك بيولوجي فطري لأن الأطفال يولدون ألواحًا فارغة. ويركز علماء السلوك في تفسيرهم على السلوكيات التي يتم تعلمها من خلال التكييف الكلاسيكي أو الفعال. فقد تم صياغة التكييف الكلاسيكي  لأول مرة من طرف بافلوف في عام 1927.

حيث يمكن من خلال التكييف الكلاسيكي أن ترتبط أم الرضيع بالطعام لأنها توجود باستمرار في كل مرة يتم فيها إطعام الرضيع خلال الأشهر الأولى من حياته والتي تُعرف "الأم" في هذه النظرية باسم "المحفز المحايد".

وبمجرد أن تكون المحفزات المحايدة "الأم" حاضرة أثناء تناول الطفل للأكل ، سترتبط باستمرار بحافز غير مشروط "الطعام" وستنتجعن هذا الإرتباط في النهاية نفس الاستجابة ، بمعنى حضور الأم يؤدي الى تفس استجابة الطفل للطعام.

ثم بعد ذلك تصبح الأم حافزًا مشروطًا مكتسبًا وتنتج عنها استجابة مشروطة. حيث ينتج عن هذا الإرتباط بعد ذلك أن رؤية الرضيع للأم يعطيه إحساسًا بالسعادة وهو استجابة مشروطة.

تمت صياغة التكييف الفعال لأول مرة من قبل سكينر ثم قام دولارد وميلر (1950) بالتوسع فيه بشكل أكبر، ففيما يتعلق بنظرية التعلق. حيث تقول النظرية أنه عندما يكون الرضيع جائعًا ، يكون له دافع لتقليل الانزعاج الذي يحدث نتيجة لذلك. وبمجرد إطعام الطفل ، ينتج عنه شعور بالمتعة ويسمى "التعزيز الإيجابي".

وعندما يتكرر السلوك الذي يكافأ بالطعام ويصبح الطعام هو المعزز الأساسي لأنه يرتبط بالمكافأة ويعزز السلوك.

ويصبح الشخص الذي يقدم الطعام والذي يمكن أن يكون الأم أو مقدم الرعاية الأساسي معززًا ثانويًا حيث يصبح مصدرا للمكافأة. وبالتالي يحدث التعلق لأن الطفل يربط الشخص الذي يمد الطعام بالمكافآت وبالتالي يسعى إليه ويتعلق به.

نظرية التطور

تشير نظرية التعلق التطورية (على سبيل المثال ، بولبي ، هارلو ، لورينز ) إلى أن الأطفال يأتون إلى العالم مبرمجين بيولوجيًا بشكل مسبق لتكوين روابط مع الآخرين ، لأن هذا الإرتباط يساعدهم على البقاء على قيد الحياة.

ينتج الرضيع سلوكيات فطرية "تحرر اجتماعي" مثل البكاء والابتسام التي تحفز الاستجابات الفطرية للرعاية من البالغين. وبالتالي فالعامل المحدد للارتباط ليس الطعام ، بل الرعاية والاستجابة.

اقترح بولبي أن الطفل يشكل في البداية تعلقا أساسيًا واحدًا فقط (مونوتروبي) وأن شكل التعلق يعمل كقاعدة آمنة لاستكشاف العالم.

تعمل علاقة الارتباط كنموذج أولي لجميع العلاقات الاجتماعية المستقبلية ، لذا فإن تعطيلها يمكن أن يكون له عواقب وخيمة في المستقبل.

تقترح هذه النظرية أيضًا أن هناك فترة حرجة لتطوير التعلق والارتباط وهي الفترة (من 0-5 سنوات).

وإذا لم يتطور التعلق خلال هذه الفترة ، فسيعاني الطفل من عواقب تنموية لا رجعة فيها ، مثل انخفاض الذكاء وزيادة العدوان.