التأثيرات التفسية لانتشار عمليات التجميل على وسائل التواصل الاجتماعي؟

تأثير انتشار عمليات التجميل على وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية؟، تعرف على دور عمليات التشميل على التواصل الاجتماعي في الصحة النفسية.

التأثيرات التفسية لانتشار عمليات التجميل على وسائل التواصل الاجتماعي؟
عمليات التجميل تهيمن على وسائل التواصل الاجتماعي، ماذا يعني ذلك للصحة العقلية؟

تأثير هيمنة عمليات التجميل على وسائل التواصل الاجتماعي؟

قد تلاحظ نوع من التشابه بين المشاهير والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي من حيث المظهر والأسلوب. سواء كان ذلك في نحافة الأنف، أو خطوط الفك المنحوتة، أو نفخ الشفاه، وذلك لأن العديد منهم قد خضعوا لشكل من أشكال الإجراءات التجميلية.

وبالمثل، إذا كنت تبحث عن أسلوب حياة جميل أو موقع تجميل معين، فسترى على الأرجح مقالات حول أحدث صيحات التجميل المشابهة لما يفعله المشاهير. 

وتمامًا كما تنجرف الملابس أو أنماط الوشم إلى الموضة، كذلك تنجرف إجراءات جراحات تجميل المختلفة وراء الموضة أيضا. وما كان من المحرمات مناقشته، سرعان ما أصبح أمرًا طبيعيًا للمشاهير والمؤثرين والأشخاص العاديين للتحدث عنه بكل صراحة وترويج.

قد تتيح جراحات التجميل الشعور بالراحة لمعظم الأشخاص الذين يقومون بها. لكن الانتشار الواسع للجراحات التجميلية على الإنترنت وأقوال الأشخاص "المثاليين" الذين يدعون المثالية في جمالهم يشوهون وجهات نظر الجمال وحب الذات الطبيعية.

الأفكار الأساسية

  • يروج المشاهير والمؤثرون بانتظام لعمليات جراحية وإجراءات التجميل المختلفة من خلال وسائل الإعلام.
  • يمكن أن يكون لوسائل التواصل الاجتماعي تأثير سلبي على صورة الجسد، حيث يقارن الناس أنفسهم بمن يتابعونهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • مع تزايد شعبية جراحات التجميل، فإننا نجازف بفقدان فرديتنا بسبب السعي لتحقيق نفس "المثالية".

انتشار جراحة التجميل

شهدت الجراحة التجميلية والإجراءات التجميلية زيادة سريعة في شعبيتها في السنوات الأخيرة. حيث شهدت الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2020، إجراء عمليات تجميل أكثر بكثير من باقي دول العالم، ووفقًا لجمعية التجميل الأمريكية، زادت شعبية الجراحة التجميلية بشكل حاد في عام 2021. حيث زادت عمليات تجميل الوجه بنسبة 55٪ في هذه السنة.

من الجدير بالذكر أن ما يقرب من أربعة من كل 10 (38.6٪) من الإجراءات التجميلية في الولايات المتحدة في عام 2019 تم إجراؤها على الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 38 و 50 عامًا. ومن الطبيعي أن يفكر الأشخاص في الجراحة التجميلية مع اقترابهم من منتصف العمر خاصة النساء، نظرا للتغيرات الجسدية التي يعيشونها ولمرتبطة أيضا بعملية الشيخوخة.

فالتقدم في العمر والشيخوخة جزء طبيعي من الحياة وليس شيئًا يمكننا منعه في حد ذاته. لذلك لا ينبغي جعل أي شخص يشعر بالخجل من الطريقة الطبيعية التي يتغير بها جسمه، ولكن نظرًا لوجود عدد قليل من الناس الذين يسمحون لأجسادهم بالشيخوخة بشكل طبيعي، يصبح من الصعب جدًا قبول هذا التقدم. 

لذلك عندما بدأ حتى الشباب يبحثون عن إجراءات "وقائية" للشيخوخة مثل مادة البوتوكس أكثر من أي وقت مضى، فمن الواضح أننا بحاجة إلى إلقاء نظرة جماعية جادة على علاقتنا بالشيخوخة.

ان الهوس بإنجاز الجراحة من أجل الظهور في حلة شبابية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالرغبة في الظهور بمظهر مثالي (إلى الأبد). لكن المظهر المثالي ليس الا مجرد عامل واحد من عوامل الشباب، حيث يجب أن يكون لديك جميع مكونات الوجه الصحيحة أيضًا للبقاء في حلة الشباب. ففي عام 2019، نشرت مجلة (The New Yorker) مقالاً بعنوان (The Age of Instagram Face) ، سلط الضوء على التشابه المخيف لوجوه الناس على الإنترنت. مثل الأنوف الصغيرة والشفاه الكبيرة وخطوط الفك الحادة والعيون الكبيرة وعظام الوجنتين القوية، وهي قمة الجمال في هذا اليوم وهذا العصر. بل تم تصميم الفلاتر أيضا لتجعلك تبدو هكذا.

لذلك لماذا تعتبر هذه مشكلة كبيرة؟ عندما يتم اقناعنا بأن نوعًا واحدًا فقط من الوجوه هو الذي يعتبر جميل، يمكن أن يؤدي ذلك إلى قدر لا يحصى من عدم الأمان وفقدان الثقة بالنفس بالنسبة للذين لا يمتلكون هذا النوع من الوجه. 

لذلك لماذا لم نقبل التنوع الكبير في ميزات الوجوه الموجودة بقدر ما نروج لفضائل التنوع العرقي والجنسي، فالجمال أيضا متنوع ولا ينحصر في صورة وجه معين.  فرفضنا للتنوع في الجمال هو ما يجعلنا نجري التعديلات الكبيرة والصغيرة على مظاهرنا، لنقترب ولو قليلاً من المظهر المنتشر على أنه مثالي.

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صورة الجسم

ليست وجوهنا فقط هي التي نتمنى أن تبدو متشابهة مع المشاهير والصور لتي يتم ترويجها بل أجسادنا أيضًا. حيث أن هناك تباين واضح بين ما يتم تصويره عمومًا على أنه نوع الجسم المثالي وأنواع أجسام الأشخاص الذين يتنقلون فعليًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن عندما يكون هذا النوع من الجسم هو كل ما يراه أي شخص على وسائل التواصل الاجتماعي، نصبح مجبرين بالاعتقاد بأنه الجسم الطبيعي، و "الصحيح ". باختصار، وسائل التواصل الاجتماعي هي من أصبح الآن يحدد الصحي وغير الصحي والجميل من القبيح.

هناك الكثير من الأبحاث التي تؤكد التأثير السلبي لهذا التناقض بين ما تروجه وسائل التواصل الاجتماعي وما هو حقيقي. فقد وجدت إحدى الدراسات أن هناك علاقة وطيدة بين الصورة السلبية للجسم واضطرابات الأكل والوقت الذي يقضيه الشخص على وسائل التواصل الاجتماعي. حيث يصبح هذا الارتباط أقوى عندما يتصفح الناس المحتوى المتعلق بالمظهر الجسدي أو صورة الجسد من عارضي أو مدربي اللياقة أو المشاهير. 

تقول الدكتورة إيلينا توروني (تزيد صورة الجسم السيئة من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل، فضلاً عن التسبب في الشعور بالخزي والدونية).

كما نظرت دراسة أخرى في العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واضطرابات صورة الجسم. حيث خاض المشاركين في هذه الدراسة استبيانًا عبر الإنترنت لتقييم استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الحسابات التي يتابعونها، حيث وجد الباحثون علاقة بين الإجراءات التي يقوم بها الأشخاص لتحسين مظهرهم ومقارنتهم أنفسهم بالأشخاص الذين يتابعونهم على وسائل التواصل الاجتماعي. 

نتيجة لذلك، من السهل رؤية العلاقة بين ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وارتفاع معدل الأشخاص الذين يخضعون لعمليات التجميل من جميع الأعمار. على سبيل المثال . اذا ظهر نموذج جمال الوجه معين على وسائل التواصل الاجتماعي، وتبناه مجموعة من المشاهير، فسرعان ما سيهرع الناس الى تقليد النموذج، وذلك بتغيير وجوههم عبر العمليات التجميلية.

تقول إيلينا توروني ، الحاصلة على درجة الدكتوراه ، واستشارية علم النفس والمؤسسة المشاركة لعيادة علم النفس في تشيلسي : "غالبًا ما تعود أنواع الجسم إلى الخصائص الوراثية " . "لذلك نحن بحاجة إلى التخلص من مفهوم" الجسد المثالي" هذا والتركيز بدلاً من ذلك على صفات أخرى أكثر أهمية وذات مغزى". "لذلك أيضا يجب أن نحسن علاقتنا مع أجسادنا ونحبها ونقبلها كما هي، ثم التركيز على الصحة والتوازن بدلاً من الكمال. "

تشجيع الأكل المضطرب وسوء التغذية

يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تروج تقريبًا الأكل المضطرب بشكل فضيع، وذلك تحت مسميات عديدة منها الحمية الصحية والتنحيف وغيرها. خاصة عندما لا يستطيع شخص معين تحمل تكاليف الجراحة التجميلية، حيث يسهل عليه الوقوع في فخ أفكار أن اتباع نظام غذائي شديد يمكن أن يساعدهم في تحقيق المظهر الصحيح.  خاصة وأن منصات التواصل الاجتماعي تشجع الحسابات التي تدعي ذلك.

وقد تم انتقاد منصة (TikTok) أيضًا بسبب الترويج لفقدان الوزن الشديد ومحتوى الأكل المضطرب للمستخدمين الشباب - وهو نوع من خليفة لمحتوى التحفيز على هذه الممارسات على باقي منصات التواصل الاجتماعي أيضا.

يوضح الدكتور توروني أن "صورة الجسد السيئة تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل، فضلاً عن التسبب في الشعور بالخزي". "وقد يعاني بعض الأشخاص الذين يعانون من سوء صورة الجسم أيضًا من اضطراب تشوه الجسم، وهو حالة صحية نفسية وعقلية تجعل الشخص يستحوذ على مظهره أو حتى يصبح مدمنًا على الجراحة التجميلية لتغيير مظهره."

بالإضافة إلى القلق، تقول جولييت كارامان يمكن أن يؤدي ذلك إلى "أنماط ارتباط غير آمنة في العلاقات، والخوف من الخروج، ومجموعة كاملة من الأمراض النفسية التي تنتقل إلى الجسم بسبب هذه الأفكار، مما يؤدي أيضا إلى خلل في تنظيم الجهاز العصبي".

وذلك الى جانب الهوس بالنظر الى الجسم بطريقة مثالية، وعدم القدرة على تحقيق ذلك المظهر المثالي، ثم إنفاق الكثير من المال في محاولة إصلاح مشكال وهمية بدلاً من محاولة إصلاح المشاكل الأساسية في الحياة.

ما مدى مسؤولية وسائل التواصل الاجتماعي؟

أظهرت الدراسات أن استخدام الخوارزميات يمكن أن يجعل العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي وعدم الرضا عن الجسد أقوى، وهي مشكلة تدركها​​ منصات وسائل التواصل أيضا، لذلك هناك حاجة إلى المزيد من العمل لحماية المستخدمين، خاصة الأطفال الأصغر سنًا أو الأشخاص الأكثر ضعفًا

تقوم الخوارزميات بترويج نفس المحتوى للكثير من الناس، الى جانب هيمنة عدد من المؤثرين على عالم الإنترنت، لذلك هل نجازف بصحتنا النفسية باتباعنا هذه الاتجاهات المروجة؟، خاصة مع ميول الناس الى اتباع كل اتجاه جديد، طبعا لا.

فمع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تتحكم في إنشاء مجتمع عالمي موحد والقضاء على مختلف مظاهر الاختلافات بين الناس، لذلك أصبح من المهم تحدي أنواع الجسم المجتمعية المثالية والمثل العليا في وسائل التواصل الاجتماعي وتمكين الناس من حب أنفسهم والثقة في مظاهرهم وجمالهم.

فعندما ننخرط باستمرار في مقارنات على وسائل التواصل الاجتماعي، يتسبب لنا ذلك في حلقة تفكير سلبية تتغذى على عدم الأمان والغيرة ونوع من الإحساس بالدونية والتفكير في إيذاء النفس بسبب عدم التوفر على معايير الجمال السامة التي تم ترويجها على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي من المستحيل قياسها بسبب التلاعب الرقمي والتحسينات لإزالة العيوب المتصورة ويعتبر ذلك من مفارقات وسائل التواصل الاجتماعي. 

يقول تشيس كاسين، المعالج النفسي والمؤلف:

"ذكرت جمعية علم النفس الأمريكية أن التعرض للصور المثالية للجسم في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كان عاملاً كبيرًا مساهمًا في اضطراب تشوه الجسم واضطرابات الأكل".

وذلك ما ساهم في انبثاق حركة تسلط الضوء على ما تصفه بأنه "المناظر الطبيعية والواقعية للجمال" وتروج لها وتسمى بالحركة الإيجابية للجسم، وهي عبارة عن حركة إعلامية تنتقد التبعية العمياء لما تروجه وسائل التواصل الاجتماعي عن الجسم والجمال.

يركز جزء من هذه الحركة على الفردية والتفرد لكل شخص وكيف أن كل شخص جميل بطريقته الخاصة بالأشياء التي تميزه وتجعله" مختلفًا

فإذا كنا جميعًا نسعى جاهدين لنبدو مثل عارضات الأزياء والمشاهير وتمسكنا بذلك كمعيار للجمال ، فقد نكون نجازف بأن نصبح تبعيين ونفتقر إلى الفردية ... وبالتالي نفقد الجمال الحقيقي؟"

ماذا عن الحركة الإيجابية للجسم؟

فعلى الرغم من أن هذه الحركة لا تزال تمثل الأقلية، إلا أننا بدأنا نرى المزيد من المؤثرين يتقدمون ويتحدثون عن مخاوفهم الخاصة تجاه التهديد الذي تشكله وسائل التواصل الاجتماعي على فردية الاشخاص.  لذلك يجب أن نشجع أي شخص على الانتباه إلى من يختار متابعته على وسائل التواصل الاجتماعي. والالتزام بمتابعة الأشخاص الحقيقيين والمنفتحين والصادقين، وتجنب الأشخاص الذين يروجون للوهم.

يقول روتش، "في ملاحظة إيجابية، بدأ العديد من المؤثرين والشركات في الترويج لحملات الصور الإيجابية للجسم، وتقديم صور أكثر واقعية للأجساد والحياة بشكل عام". 

فوسائل التواصل الاجتماعي ليست كلها سيئة. فقد وجدت دراسة أجريت على فتيات في سن المدرسة الإعدادية قبل بضع سنوات أنه رغم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مرتفع - لا سيما المنصات المرئية مثل (Instagram و Snapchat) - أظهرت الفتيات مستويات عالية من الثقافة الإعلامية ، وقللن من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صورة أجسادهن. وكان السبب في ذلك إلى حد كبير تشجيع والديهم وأولياء أمورهم ومدرستهم. 

الخلاصة

صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت يمكن أن تؤثر على صورة أجسادنا، ولكن مع الاستخدام الدقيق والدعم الصحيح من الآباء والمعلمين فيما يتعلق بالجمال والجسد، يمكن السيطرة عليها وتوجيهها الى الاستخدامات النافعة. وذلك حتى لو كانت الموضة فيما يتعلق بالجمال والجسد تتجدد باستمرار ولا تتوقف عن الانتشار.

المصادر