نظرية النظم البيئية عند برونفنبرينر

نظرية النظم البيئية عند يوري برونفنبرينر نظرية في علم النفس التنموي تركز على تأثير الأنظمة البيئية والإجتماعية على نمو الطفل. تعرف على تاريخ والأنظمة البيئية الخمسة والإنتقادات والأفكار الرئيسية.

نظرية النظم البيئية عند برونفنبرينر
نظرية النظم البيئية عند يوري برونفنبرينر

الخلفية والتاريخ

انتقد عالم النفس الأمريكي يوري برونفينبرينر نظريات نمو الطفل السابقة. وقال بأن الدراسات التي أجريت على الأطفال في بيئات أو مختبرات معملية لا يمكن تعميمها على جميع الأشخاص ، لأن الأشخاص يختلفون في عدد هائل من الخصائص، وبالتالي فهذه التجارب غير صالحة من الناحية البيئية (انظر تجربة ماري أينسوورث عام 1970 لـ"الموقف الغريب").

ادعى برونفينبرينر(1974) أن معظم الدراسات السابقة كانت "أحادية الاتجاه" ، مما يعني أن الدراسات المختبرية تلاحظ تأثير (أ) على (ب) (على سبيل المثال ، الشخص الغريب و أم لديها طفل) ، بدلاً من النظر إلى التأثير المحتمل للطفل على الشخص الغريب أو الأم ، أو تأثير أي طرف ثالث عليهم كلهم.

أكد برونفنبرينر أيضا أن صفات المختبر ليست نفسها صفات وخصائص البيئات التي يعيش فيها الأطفال بالفعل ويتطورون فيها .

أدرك برونفنبرينر أيضا أن هناك جوانب متعددة لحياة الطفل النامي تتفاعل مع الطفل وتؤثر عليه. حيث نظر عمله إلى ما وراء التنمية الفردية ، مع الأخذ في الاعتبار العوامل المؤثرة الأوسع وسياق (أو البيئة) التنمية. ثم بعد ذلك أسس "نظرية النظم البيئية" على أساس هذه التفاعلات الديناميكية التي تمتلكها البيئات على الطفل في مراحل نموه .

يتفق منطور برونفينبرينر مع نظرية التعلم الاجتماعي ألبرت باندوا في و النظرية الاجتماعية والثقافية ليف فيجوتسكي في مجموعة من الأمور ، خاصة أنها تعتبر البيئة والمحيط  بشكل صريحة أو ضمنيا آلية حاسمة في التنمية.

الأفكار الرئيسية

  • تنظر نظرية النظم البيئية لبرونفينبرينر إلى نمو الطفل على أنه نظام معقد من العلاقات يتأثر بمستويات متعددة من البيئة المحيطة ، بدءا من الخصائص المباشرة للأسرة والمدرسة إلى القيم الثقافية والقوانين والعادات الإجتماعية.
  • يجب ألا ننظر إلى الطفل وبيئته المباشرة فقط في دراسة نمو الطفل ، ولكن أيضًا إلى تفاعل البيئة والمحيط الأكبر أيضًا.
  • قسّم برونفنبرينر بيئة الشخص إلى خمسة أنظمة مختلفة: النظام المجهري أو الدقيق "الميكروسيستم" ، والنظام الوسيط "الميزوسيستم" ، والنظام الخارجي "الإكسوسيستم" ، والنظام الكبير أو الكلي "الماكروسيستم"، ونظام الكرونو أو "الكرونوسيستم".
  • النظام الممجهري هو المستوى الأكثر أهمية في نظرية النظم البيئية. و هو الخصائص البيئية الأكثر تفاعلا مع الطفل والتي تحتوي أغلب مراحل نمو الطفل ، مثل الأسرة والمدرسة.
  • لنظرية النظم البيئية لبرونفنبرينرآثار على الممارسة التعليمية.

النظم البيئية الخمسة

اقترح برونفينبرينر(1977) أن بيئة الطفل هي ترتيب متداخل من الهياكل على الشكل الاتي بيانه، منظمة حسب مدى تأثيرها على الطفل.

أطلق على هذه الهياكل اسم الميكروسيستم ، و الميزوسيستم ، و الإكسوسيستم ، و الماكروسيسم ، و الكرونوسيستم.

تأثير النظام الواحد على نمو الطفل يعتمد على علاقته بالأنظمة الأخرى لأن الأنظمة الخمسة مترابطة .

الميكروسيستم

الميكروسيستم أو النظام المصغر أو "نظام الميكرو" هو المستوى الأول من نظرية برونفنبرينر ، ويتضمن الأشياء التي لها اتصال مباشر مع الطفل في بيئته المباشرة ، مثل الوالدين والأشقاء والمدرسين وأقران المدرسة.

العلاقات في النظام المصغر ثنائية الاتجاه ، مما يعني أن الطفل يمكن أن يتأثر بأشخاص آخرين في بيئته ، كما أنه قادر على تغيير معتقدات وأفعال الآخرين أيضًا.

علاوة على ذلك ، يمكن أن تؤثر ردود أفعال الطفل تجاه الأفراد في نظامهم المصغر على كيفية معاملتهم في المقابل.

غالبًا ما تكون التفاعلات داخل الأنظمة الدقيقة شخصية جدًا وهي ضرورية لتعزيز نمو الطفل ودعمه.

فإذا كان لدى الطفل علاقة رعاية قوية مع والديه ، فإن لهذا تأثير إيجابي على الطفل. في حين أن الآباء الذين لا يرعون أطفالهم "البعيدين وغير الحنونين" يكون لهم تأثير سلبي على الطفل.

الميزوسيستم

يشمل "نظام الميزو" أو "الميزوسيستم" أو النظام الوسيط التفاعلات الكائنة بين النظم الدقيقة "الميكروسيستم" للطفل ، مثل التفاعلات بين والدي الطفل والمعلمين ، أو بين أقرانهم وإخوتهم في المدرسة.

الميزوسيستم هو المكان الذي لا تعمل فيه الأنظمة الدقيقة "المسكروسيستم" الفردية للشخص بشكل مستقل ، ولكنها مترابطة تؤثر على بعضها البعض.

على سبيل المثال ، إذا تواصل والدا الطفل مع المعلمين ، فقد يؤثر هذا التفاعل على نمو الطفل.  فالميزوسيستم "النظام الوسيط" في الأساس هو نظام من النظم الدقيقة "الميكروسيستم".

وفقًا لنظرية النظم البيئية ، إذا كان والدا الطفل والمعلمون متعاونين وبينهم علاقة جيدة ، فسيكون لذلك آثار إيجابية على نمو الطفل ، أما إذا انعدم التعاون و الإتفاق بينهم فسيكون لذلك تأثيرات سلبية على تطور ونمو الطفل.

إكسوسيستيم

النظام الخارجي "الإكسوسيستم" أو كما يسمى أيضا "نظام الإكسو" هو أحد مكونات نظرية الأنظمة البيئية التي طورها يوري برونفينبرينر في السبعينيات.  يشتمل على الهياكل الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية الأخرى ، والتي لا تحتوي في حد ذاتها على الطفل ، ولكنها تؤثر عليه بشكل غير مباشر لأنها تؤثر على أحد النظم الدقيقة "الميكروسيستم".

تشمل أمثلة الأنظمة الخارجية "الإكسوسيستم" الحي وأماكن عمل الوالدين وأصدقاء الوالدين ووسائل الإعلام وغيرها. فهذه البيئات هي التي لا يشارك فيها الطفل ، وهي خارجة عن تجربته ، لكنها مع ذلك تؤثر عليه بشكل من الأشكال.

ومن الأمثلة على الأنظمة الخارجية الإكسوسيستم أيضا التي تؤثر على نمو الطفل، مشاكل وصراعات العمل التي يعيشها الوالدين.

حيث قد يعود الوالد إلى المنزل ويتصرف بمزاج سيء مع الطفل نتيجة لشيء سلبي حدث في مكان العمل ، مما يؤدي بدوره إلى تأثير سلبي على النمو.

الماكروسيستم

النظام الكلي أو نظام الماكرو أو"الماكروسيستم" هو أحد مكونات نظرية النظم البيئية لبرونفينبرينرالتي تركز على كيفية تأثير العناصر الثقافية على نمو الطفل ، مثل الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثروة والفقر والعرق.

وبالتالي ، قد تؤثر الثقافة التي ينغمس فيها الأفراد على معتقداتهم وتصوراتهم حول الأحداث التي تحدث في الحياة.

يختلف النظام الكلي "الماكروسيستم" عن النظم البيئية السابقة في كونه لا يشير إلى البيئات المحددة لطفل واحد في عملة النمو ، بل يشير إلى المجتمع والثقافة الراسخين الذي ينمو فيهما أطفال المجتمع ككل.

يمكن أن يشمل ذلك أيضًا الوضع الاجتماعي والاقتصادي والعرق والموقع الجغرافي وأيديولوجيات الثقافة.

على سبيل المثال ، الطفل الذي يعيش في بلد من دول العالم الثالث سيعيش نموا مختلفًا عن الطفل الذي يعيش في بلد أكثر ثراءً.

الكرونوسيستيم

يُعرف المستوى الخامس والأخير من نظرية النظم البيئية في برونفينبرينرباسم النظام الزمني أو "الكروسوسيستم" أو نظام الكرونو .

يتكون هذا النظام من جميع التغييرات البيئية التي تحدث على مدار العمر والتي تؤثر على التطور والنمو ، بما في ذلك التحولات الرئيسية في الحياة والأحداث التاريخية.

يمكن أن تشمل هذه التحولات الحياة العادية مثل بداية الدراسة ولكن يمكن أن تشمل أيضًا انتقالات غير عادية في الحياة مثل طلاق الوالدين أو الاضطرار إلى الانتقال إلى منزل جديد.

نموذج البيئي الحيوي

من المهم أن نلاحظ أن برونفنبرينر (1994) راجع نظريته في وقت لاحق وبدلاً من ذلك أطلق عليها اسم "النموذج البيولوجي البيئي" أو "النموذج البيئي الحيوي".

حيث أصبح برونفنبرينر أكثر اهتمامًا بعمليات التنمية القريبة ، والتي تعني الأشكال الدائمة والمستمرة للتفاعل في البيئة المباشرة. وتحول تركيزه من التركيز على التأثيرات البيئية إلى العمليات التنموية التي يمر بها الأفراد بشكل مباشر مع الزمن.

"... يحدث التطور والنمو من خلال مجموعة تفاعلات متبادلة معقدة جدا، وذلك بشكل تدريجي بين كائن بشري بيوفيكولوجي نشط ومتطور والأشخاص والأشياء والرموز الموجودة في بيئته الخارجية المباشرة." (برونفنبرينر ، 1995).

اقترح برونفنبرينر أيضًا أنه من أجل فهم تأثير هذه العمليات القريبة على التنمية ، يتعين علينا التركيز على الشخص والسياق والنتائج التنموية، حيث تختلف هذه العمليات من شخص لاخر، وتؤثر على الأشخاص بشكل مختلف (برونفنبرينر وإيفانز، 2000).

الإنتقادات

أصبح نموذج برونفنبرينر جذابًا ومقبولًا كإطار عمل مفيد لعلماء النفس وعلماء الاجتماع والمعلمين في دراسة نمو الطفل بشكل سريع .

توفر نظرية النظم البيئية نهجًا شاملاً يشمل جميع الأنظمة التي يشارك فيها الأطفال وأسرهم ، مما يعكس بدقة الطبيعة الديناميكية للعلاقات الأسرية الفعلية (هايز وأوتول ، 2017).

يقول بات (2013) أن نظرية برونفنبرينر مفيدة جدا عندما يتعلق الأمر بتنمية الأطفال المهاجرين. ويقترح أن تجارب الأطفال المهاجرين في النظم البيئية المختلفة من المحتمل أن تتشكل من خلال اختلافاتهم الثقافية. ويمكن أن يساعد فهم بيئة هؤلاء الأطفال في تعزيز تقديم خدمة العمل الاجتماعي لهؤلاء الأطفال.

أحد قيود نظرية النظم البيئية هو أن البحوث التي تدرس النظم البيئية محدودة جدا ؛ وبشكل أساسي دراسات التفاعلات بين الأحياء وأسر الأطفال (ليفينثال وبروكس-جن، 2000). لذلك ، من غير الواضح إلى أي مدى يمكن لهذه الأنظمة أن تشكل نمو الطفل.

من القيود الأخرى على نظرية برونفنبرينر أنه من الصعب اختبار النظرية تجريبياً. فهذه الدراسات حول النظم البيئية قد تؤكد تأثيرها على نمو الطفل، لكنها لا تستطيع إثبات ما إذا كانت هذه الأنظمة هي السبب المباشر لمثل هذه التأثيرات.

علاوة على ذلك ، يمكن أن تؤدي هذه النظرية إلى افتراض أن الذين ليس لديهم أنظمة بيئية قوية وإيجابية يفتقرون إلى التنمية. فهذا قد يكون صحيحًا في بعض الحالات لكنه ليس صحيحا دائما ، حيث أن العديد من الأشخاص تطوروا وأصبحو أفراد ذوي خبرة جيدة دون تأثيرات إيجابية من أنظمتهم البيئية.

على سبيل المثال ، ليس صحيحًا أن نقول أن جميع الأشخاص الذين نشأوا في مناطق فقيرة من العالم سوف يتطورون وينمون بشكل سلبي. وبالمثل ، إذا لم يتفق المعلمون والوالدان مع الطفل ، فهذا لا يعني بالضرورة أن الطفل سيعاني من أي نوع من التأثيرات السلبية خاصة إذا لم يكن ذلك مصدر قلق لهم.

نتيجة لذلك ، يحتاج الناس إلى الحرص على عدم وضع افتراضات واسعة حول الأفراد الذين يستخدمون هذه النظرية.

نظرية برونفنبرينر في القرن الحادي والعشرين

لقد تغير العالم كثيرًا منذ تأسيس هذه النظرية خاصة من حيث التطورات التكنولوجية. ومع ذلك ، لا يزال من الممكن القول أن النظام الخارجي للطفل يمكن توسيعه ليشمل وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو والتفاعلات الحديثة الأخرى داخل النظام البيئي.

وقد يشير هذا إلى أن الأنظمة البيئية لا تزال صالحة ولكنها تتوسع بمرور الوقت لتشمل التطورات الحديثة الجديدة.

استخدم كيلي وكوغلان (2019) تحليل النظرية البنائية لتطوير إطار نظري لاستعادة الصحة العقلية للشباب ووجدوا أن هناك العديد من الروابط لنظرية النظم البيئية عند برونفنبرينر في نظريتهم الأكثر حداثة.

اقترحت نظريتهم أن مكونات استعادة الصحة العقلية مضمنة في " السياق البيئي للعلاقات المؤثرة '' الذي يتناسب مع نظرية برونفنبرينر القائلة بأن النظم البيئية للشباب مثل الأقران والأسرة والمدرسة تساعد جميعها في تنمية الصحة العقلية.

تطبيق النظرية على المدرسة

تم استخدام نظرية النظم البيئية لربط النظرية النفسية والتعليمية بمناهج وممارسات التعليم الأولي. فمركز النظرية هو الطفل ونموه ، وكل ما يحدث داخل وبين الأنظمة البيئية الخمسة هدفه إفادة الطفل في الفصل والمدرسة ، فمن مساهمات النظرية في التعليم ما يلي:

  • وفقا للنظرية يجب على المعلمين وأولياء الأمور الحفاظ على التواصل الجيد مع بعضهم البعض والعمل معًا لصالح الطفل لتعزيز النمو بين النظم البيئية و الممارسة التعليمية.
  • يجب أن يكون المعلمون أيضًا على دراية بالحالات التي قد تمر بها عائلات تلاميذهم ، بما في ذلك العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل جزءًا من الأنظمة المختلفة.
  • وفقًا للنظرية ، تؤثر العلاقة الجيدة بين الآباء والمعلمين بشكل ايجابي على نمو الطفل .
  • وبالمثل ، يجب أن يكون الطفل أيضًا نشطًا في تعلمه ، وأن يشارك أكاديميًا واجتماعيًا. ويجب أن يعمل الطفل مع أقرانه كفريق واحد، وأن يشارك في التجارب التعليمية الهادفة الى تعزيز النمو الإيجابي (إيفانز ، 2012).

الأدلة والدراسات التجريبية

هناك الكثير من الدراسات التي بحثت في تأثيرات البيئة المدرسية على التلاميذ.

فقد أجرى ليبارد و لا بارو  و روس و كروسبي (2017) دراسة لاختبار نظرية برونفنبرينر . حيث قاموا بالتحقيق في العلاقات بين المعلم والطفل من خلال تقارير المعلم والملاحظات الصفية.

وجدوا أن هذه العلاقات مرتبطة بشكل كبير بالتحصيل الأكاديمي للأطفال وسلوكهم في الفصل الدراسي ، مما يشير إلى أن هذه العلاقات مهمة جدا في تنمية الأطفال ودعم نظرية النظم البيئية.

وجد ويلسون وآخرون (2002) أن خلق بيئة مدرسية إيجابية ، من خلال روح المدرسة التي تقدر التنوع لها تأثير إيجابي على علاقات التلاميذ فيما بينهم داخل المدرسة. ويؤثر دمج هذا النوع من أخلاقيات المدرسة على أولئك الموجودين في النظم البيئية للطفل النامي.

اكتشف لانجفورد وآخرون ، (2014) أن مناهج المدرسة بأكملها يمكن أن تحسن بشكل إيجابي التحصيل التعليمي ورفاهية التلاميذ ، وبالتالي فإن نمو الأطفال يتأثر بشكل أساسي بالنظم الدقيقة "الميكروسيستم".